يمثل التحول الرقمي أحد أهم الطرق الكفيلة بضمان محفزات النمو في كبرى مؤسسات القطاعين العام والخاص، ما يفرض عليها سباقاً حاسما للاستثمار في الكوادر البشرية المستقبلية، وتطوير حلول مبتكرة تضمن استمراريتها في دائرة المنافسة.
بقلم تشارلز يانغ، رئيس شركة “هواوي” في منطقة الشرق الأوسط
وقد دفعت التطورات الأخيرة والمتسارعة التي يشهدها عصر التحول نحو الرقمنة بالشركات في القطاعين إلى تغيير طريقة عملها بصورة جوهرية. فقد وجدت هذه الشركات نفسها في خضم مستجدات تحتم عليها ابتكار أفكار جديدة لتقديم خدماتها، الأمر الذي يفرض عليها تغيير طريقة تصميم نماذج العمل فيها، ما يؤثر بدوره بصورة مباشرة على طبيعة وظائف الكوادر البشرية في هذه الشركات، ودورها في تحديد منهجيات جديدة لإدارتها.
وينطوي تخطيط القدرات المستقبلية للقوة العاملة في الاقتصاد الرقمي على تحديات ومهمات معقدة تتعلق بطبيعة دمج الموظفين المناسبين في بيئة مؤسساتية ديناميكية، ومساعدتهم على اكتساب الكفاءات الرقمية الجديدة لكي يتمكنوا من المساهمة في دفع عملية التحوّل الرقمي المطلوب التي ماتزال أغلب الشركات في طور دراستها والتعرف على أفضل أطر وأساليب تنفيذها.
وبالتماشي مع المستجدات المتسارعة لبناء العالم الرقمي، بدأت المجتمعات الإنسانية عموماً تدخل في حقبة جديدة من المتطلبات العصرية التي لايمكن لها أن تكون بمنأى عن عالم التكنولوجيا. ولعل آخر مستجدات هذا العالم الشاسع هو انترنت الأشياء والحلول السحابية التي باتت المجتمعات والأعمال بحاجة لها بالتزامن مع توفر أعداد كبيرة من شبكات الاتصالات، والكم الهائل من البيانات، حيث تشير التوقعات إلى أنه بحلول العام 2025 سوف تعتمد 85% من تطبيقات الشركات على تقنيات الحوسبة السحابية وسوف تمتلك الشركات ما يُسمى بالقوة السحابية. وإذا نظرنا إلى المستقبل من منظور أبعد، سنجد أن التقنيات الجديدة مثل انترت الأشياء والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي قد تشهد تطورات كبيرة تؤدي إلى حدوث ثورة تقنية حقيقية في تاريخ البشرية.
الدول الأكثر على قدرة على الفوز بالحصة الأكبر من حصيلة الابتكار التكنولوجي
ولا شك بأن الدول القادرة على تبني التقنيات الجديدة ستحصل على النصيب الأكبر من فرص الأعمال المجزية ومختلف أوجه التطور الاجتماعي التي يوفرها الابتكار التكنولوجي، بينما ستواجه الدول التي تتخلف عن مواكبة ركب التطورات التطورات التقنية للرقمنة تحديات كبيرة على مستوى قدرة أسواقها وتصنيفاتها على المستوى العالمي.
وبدون أدنى شك، تعتبر المواهب الوطنية الواعدة في صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات أحد الركائز الأساسية لمستقبل التحول نحو الرقمنة، كونها ستوفر الحاضنة المثالية المشجعة على مواكبة التقنيات الجديدة بشكل مبكر ،والقيام بالإعدادات اللازمة لإحداث التغيير المطلوب على صعيد التنمية الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. كما أن الكوادر البشرية المستقبلية الضالعة في عالم التكنولوجيا سيكون لها دور حيوي على مستوى تحسين حياة الأفراد والمجتمعات. وكي تتمكن الدول من ترك بصمة إيجابية مؤثرة على صفحة الاقتصاد العالمي، يجب عليها تنمية المواهب الشابة وتثقيفها والاستثمار بها بالشكل المناسب في مايخص انخراطها في عالم الابتكار التكنولوجي.
ومما يدعو للفخر، فإن هذا التوجه يمثل فعلياً الاستراتيجية المستقبلية للعديد من الدول في المنطقة، خصوصاً في الخليج العربي التي بنت العديد من دولها رؤيتها الوطنية على أساس الاستفادة القصوى من الكوادر البشرية المحلية الشابة، كونها عماد المستقبل. ونحن في شركة “هواوي” نبذل كافة الجهود الممكنة في مجال دعم هذا المسار والعمل على توفير نظام شامل يسهم في تنمية المواهب المحلية من خلال مبادرات تقوم على مفاهيم نقل المعرفة وتشارك الخبرات وفع مستوى اهتمام الطلاب بقطاع تقنية المعلومات والاتصالات الذي باتت العديد من الدول تدرك مدى أهميته في تحقيق أهداف الخطط والاستراتيجيات الوطنية.
وتشير نتائج تقرير ماكينزي[i] الصادر في شهر أكتوبر 2016 والذي يتناول مسألة “التحوّل الرقمي في الشرق الأوسط” إلى أنه يمكن تصنيف 1.7 بالمائة فقط من القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط ضمن المواهب الواعدة في مجال التقنيات الرقمية. في حين تتضاعف هذه النسبة بشكل لافت في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ومما لاشك فيه أن فرصة قيادة العالم الرقمي ستكون من نصيب الأفراد القادرين على مواكبة التطورات التقنية لتلبية احتياجات عملهم.
لقد نجحت الحكومات في منطقة الشرق الأوسط في وضع رؤى جديرة بالاهتمام للسنوات القادمة بهدف الاستفادة من مزايا التقنيات الرقمية في بناء اقتصاديات قوية توفر الرفاهية لشعوبها، والفضل يعود إلى ما تبذله هذه الدول من جهود في مجال التقليل من اعتمادها على النفط والعمل على مداخل التنوع الاقتصادي لبناء الاقتصاديات القائمة على المعرفة، وتحفيز مزيد من الحراك التطوري في القطاعات الحيوية الهامة كالتعليم والصحة والنقل.
وعلى مدى 17 عاماً من تواجدها في منطقة الشرق الأوسط، سعت شركة “هواوي” للمساهمة في تعزيز قنوات العمل على تحقيق أهداف الخطط والرؤى الوطنية، والمشاركة في ميدان العمل على ترجمتها من خلال تنفيذ مختلف مبادراتها ومشاريعها في المنطقة. كما أولت الشركة مسألة تأهيل المواهب الواعدة في المنطقة جل اهتمامها ورعايتها من خلال برامج التدريب وتبادل المعرفة وتنمية المواهب المحلية. ويظهر ذلك واضحاً من خلال إطلاق العديد من البرامج العالمية للشركة في منطقة الشرق الأوسط.
مسابقة تربط بين معارف الطلاب النظرية والعملية
وتعتبر مسابقة “مهارات تقنية المعلومات والاتصالات 2017″، التي أطلقتها “هواوي” مؤخراً بهدف تشجيع الطلاب في منطقة الشرق الأوسط على مواصلة تعليمهم في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، إحدى المبادرات التي تأمل من خلالها الشركة المساهمة في إعداد المواهب الواعدة بالمنطقة في مجال التكنولوجيا وتقنية المعلومات والاتصالات. وتسعى هذه المبادرة إلى الربط بين المعرفة النظرية التي تقدمها الصفوف الدراسية والمعرفة العملية المكتسبة من ميدان العمل، الأمر الذي يمنح الطلاب فرص آفاق واعدة للانخراط في سوق العمل المتخصص بالتكنولوجيا في المستقبل. وكانت المسابقة قد نجحت سابقاً في جذب اهتمام أبرز المواهب الواعدة على الصعيد العالمي، إذ شارك فيها متسابقون من دول عديدة بدءاً من هولندا وحتى ماليزيا وصولاً إلى الباكستان. وستشهد مسابقة هذه العام في منطقة الشرق الأوسط منافسة قوية بين طلاب أكثر من 80 جامعة مختلفة من 10 دول شرق أوسطية، حيث سيخضع المشاركون لاختبارات تشتمل خوض غمار أحدث التطورات والتوجهات في تقنية المعلومات والاتصالات، وآخر المنتجات والحلول المطبقة عالمياً. وفي نهاية المسابقة، ستمنح الشركة أكثر من ثلاثين مشاركاً تجربة استثنائية للاطلاع على أحدث التقنيات والابتكارات من خلال السفر إلى مدينة شنزن وزيارة مايعتبر وادي السيلكون في الصين بهدف التعرّف على التقنيات المتوفرة هناك والخضوع لدورات تدريبية وتثقيفية وتبادل المعرفة بين جميع المشاركين. كما سيحصل الطلاب المختارون أيضاً على فرصة التفاعل مع المتسابقين القادمين من دول مختلفة من العالم والتنافس معهم للفوز بجوائز رائعة.
نؤمن في “هواوي” أن مسؤولية العمل على تطوير المجتمعات في منطقة الشرق الأوسط تقع ضمن نطاق مسؤولياتنا، ونسعى من خلال مسابقة مهارات تقنية المعلومات والاتصالات، وغيرها من البرامج العالمية الأخرى للشركة كبرنامج البعثات التدريبية “بذور من أجل المستقبل”، إلى توفير منصة تجمع بين أبرز الطلاب الموهوبين وتشجعهم على تنمية مهاراتهم ومعرفتهم في مجال تقنية المعلومات والاتصالات من خلال إتاحة فرصة التواصل المفتوح بين جميع المشاركين في هذه المسابقة. كما تلعب هذه المسابقة دوراً كبيراً في زيادة المنافسة بين المواهب الوطنية الواعدة من جهة، وفي تعزيز تنافسية دول المنطقة على صعيد تبني آخر الابتكارات التقنية من جهة أخرى، ناهيك عن تحفيز التنمية الاقتصادية في دول المنطقة. وبذلك تضمن “هواوي” تحقيق التزامها المتمثل في رعاية الرؤى الوطنية والمضي قدماً في تنفيذ رؤية الشركة الهادفة إلى “بناء عالم أكثر تواصلاً”.
“بذور من أجل المستقبل”
وقد أطلقت “هواوي” في المنطقة خلال الأعوام السابقة مبادرة “بذورٌ من أجل المستقبل”، البرنامج العالمي الرائد للشركة الذي نسعى من خلاله إلى اكتشاف المواهب الواعدة من طلاب الجامعات والموظفين من جيل الشباب في مختلف الأقسام المتعلقة بمجال تقنية المعلومات والاتصالات في القطاع الحكومي، ونمنحهم فرصة السفر ببعثات تدريب للدراسة في الصين. وخلال تنفيذ برنامجنا هذا، نشارك في “هواوي” معلوماتنا وخبراتنا في تقنية المعلومات والاتصالات مع هذه المواهب الواعدة، ونتيح لهم فرصة الاطلاع على آخر الدراسات والبحوث التي تتم في مراكز أبحاثنا ومختبراتنا، وننقل لهم بعناية عصارة خبرتنا في مجال إدارة الشركات متعددة الجنسيات، بهدف مساعدتهم على رفد مسار حكوماتهم على مستوى تطوير نظام إيكولوجي شامل يلبي متطلبات قطاع تقنية المعلومات والاتصالات على الصعيد المحلي.
كذلك فقد افتتحت الشركة أيضاً أكاديمية “هواوي” للمعلومات والشبكات المعتمدة بهدف توفير منصة أكاديمية معتمدة لتقديم برامج “هواوي” التدريبية إلى طلاب هذه الأكاديمية. ومن خلال الانتساب إلى أكاديمية “هواوي” للمعلومات والشبكات المعتمدة، تحظى الهيئات الأكاديمية بفرصة الحصول على البرامج التعليمية المعتمدة على أحدث التوجهات بما يساعد الطلاب على تطوير مهارات تنافسية يمكن الاعتماد عليها لبناء مستقبل مهني واعد.
تنمية المجتمع القائم على الاقتصاد الرقمي يعتمد أولاً وأخيراً على جيل الشباب وما يملكه من مهارات في هذا المجال. ومن خلال تنمية شغف هذه المواهب الواعدة بعالم التكنولوجيا، نسعى في “هواوي” إلى المساهمة في رسم ملامح بناء مستقبل أفضل في المنطقة، وتعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية على الأمد الطويل من خلال الاستثمار بجيل الشباب الواعد، قادة عصر الرقمنة المستقبليين.